تميز موقع “تويتر” بالرغم من مصاعبه المالية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 .وكيف تغريدة واحدة هي قادرة على صقل حوار سياسي وإدارة مسار التغطية الإعلامية التقليدية بشكل غير مسبوق.
منذ بداية الحملة الانتخابية الرئاسية ،لم يمر يوم إلا ونشر كل من دونالد ترامبوهيلاري كلينتون رسائل وبث مباشر عبر حساباتهم على المنصات الاجتماعية المختلفة وبالتحديد على موقع” تويتر” الذي كان ساحة الوغى للمرشحين.و خاصة أن دونالد ترامب الذي كان قد أعلن رفضه للاعلام التقليدي الموجه و “الفاسد” كما وصفه.
كما وضعت استراتيجيات وميزانيات غير مسبوقة للإنفاق وإدارة ما يعرف بالـ .Digital Campaign
للتذكير شهد موقع “تويتر” ارتفاعا نسبيا بعدد المستخدمين الفاعلين من 185 مليون مستخدم عام 2012 ليصل اليوم إلى 385 مليون مستخدم فاعل وللتذكير أيضا يبلغ حجم مستخدمي موقع “فيسبوك” 1.7 مليار مستخدم فاعل شهريا . و بالتالي فإن أكثر من 60% من البالغين في الولايات المتحدة يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي بشكل كبير. و40 % يستقون الأخبار من شبكات التواصل الاجتماعي.
توفر الشبكات الاجتماعية، التي تتمتع بطبيعة شبكة الإنترنت الفيروسي، سرعة نقل الخبر بشكل آني وتؤدي إلى سرعة في التواصل بين المواطنين والمرشحين ، بالإضافة إلى النقل المباشر للخطابات و اللقاءات الإنتخابية و جلسات
السيلفي العملاقة و الغريبة مع
هيلاري كلينتون. وبالتالي فإن ميزة التواتر توفر انتشارا كبيرا وقوة في التأثير. مما جعل من هذه المنصات الأداة الفاعلة للمرشحين لتنشيط و تحفيز مؤيديهم وجذب المواطنين الذين لا يدعمون خطابهم السياسي. وذلك من خلال رسائل بسيطة وشخصية يتردد صداها بأسلوب باتت تعجز عن توصيله الوسائل الإعلام التقليدية وغيرها من التقنيات التي كانت مستخدمة في الماضي لجذب الناخبين .
تفيد إحصاءات قامت بها صحيفة “النيويورك تايمز” في اذار/مارس 2016 ، أن إنفاق الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب للتغطية الإعلامية عبر الوسائل الاجتماعية بلغت ملياري دولار مقابل 17.3 مليون دولار لشراء المساحات للإعلانات الانتخابية في وسائل الإعلام التقليدي . ونقلت San Fransico Chronicle في الأشهر الأولى لهذا العام ان عدد ما قام بنشره دونالد ترامبعلى منصات التواصل الاجتماعي توازي 1.284 عاما من القراءة لكل مواطن امريكي وانه لو أراد استخدام وسائل الإعلام التقليدي لبلغت ن التكلفة و الإنفاق على الإعلانات الانتخابية 380 مليون دولار أمريكي. كما استفاد ترامب من بداية الحملة الانتخابية من وجود عدد كبير من أنصاره الذين ينشطون في الإعلام الاجتماعي.
اما المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلينتون ، فقد انفقت على حملتها الرقمية حوالي 100 مليون دولار.
المراقب لدور المنصات الاجتماعية في الانتخابات الأمريكية وكيفية التفاعل بين المرشحين والمواطنين والرسائل الانتخابية التي تنشر، يرى كيف تتيح للناخب تكوين صورة عن المرشحين. ومن هنا تميزت الحملة الانتخابية الأمريكية عام 2016 بلجوء المرشحين ترامبو كلينتون لنشر الشائعات والفضائح عن المرشح الآخر للتأثير على أراء الناخبين وتحويلهم عن المرشح الآخر. اذ تلعب الشبكات الاجتماعية دورا بارزا في تجميل أو تشويه صورة أي من المرشحين، و ايضا نشر تغريدات مزيفة بأسم حملة هيلاري كلينتون تدعو الناخبين للإدلاء بصوتهم لكلينتون عبر الرسائل النصية القصيرة وهو امر غير قانوني ولا وجود له. حتى قامت شركة “تويتر” بحذف هذه التغريدات. وهنا نعود إلى ميزات الإعلام الاجتماعي خاصة منصتي “تويتر” و “فيسبوك”، فالرسائل آنية، قصيرة ، ومتتالية ، تؤثر على تصور المواطن الناخب، الذي خلافا للإعلام التقليدي ليس لديه الوقت الكافي للتعمق والوقت للتحليل ويتعرض لفيض مستمر من الرسائل والأخبار.
هذا وكان للذكاء الصنعي أو
البوت دورا على منصة “
تويتر” وبشكل خاص للتأثير على الناخب الأمريكي من خلال التلاعب بأرقام المتابعين على منصة التواصل الاجتماعي واستخدام
“البوتس” للقيام بالمهام تلقائياً على الإنترنت، كدفع الأراء المؤيدة لمرشح أو لأخر في استطلاعات الرأي على الإنترنت، وتضخيم مصطنع للمتابعين على الشبكات الاجتماعية. ويكشف
تحليل لفريق البحوث في جامعة أوكسفورد أن بين المناظرة الأولى والمناظرة الثانية بين
كلينتون و
ترامب كان أكثر من ثلث مجموع التغريدات المؤيدة والإيجابية
لدونالد ترامب وما يقرب من خمس التغريدات المؤيدة و الإيجابية
لهيلاري كلينتون أتت من حسابات آلية ، التي نشرت أكثر من مليون تغريدة من مجموعة التغريدات . وتعزز هذه البيانات التقارير التي تفيد بأن الإعلام الاجتماعي لكل المرشحين قد استخدم فيها و بشكل كبير
“البوت “و الحسابات آلية .
“البوت” هي برمجيات سهلة البرمجة للتغريد عبر
” تويتر” من خلال
API الخاص بموقع “
تويتر”. اذ يكفي أن يكون لدى المستخدم من معرفة بسيطة بتقنيات البرمجة. هذا وقد استخدمت برمجيات
البوتس جماعات هامشية ،لتوهم أنهم مجموعة كبيرة و مؤثرة ،على سبيل المثال، استخدمت مجموعات متطرفة من اليمين والقوميين المدافعين عن العنصر الأبيض
“البوتس” للنشر على منصات الشبكات الاجتماعية كما هائلا من التغريدات التي تتبنى خطاب الكراهية وكره الأجانب. كذلك قام مؤيدون
لدونالد ترامب من مستخدمي موقعي
Reddit و
4Chanباستخدام “البوت” لدفع المساهمات الإيجابية لاستطلاعات الرأي على الإنترنت بعد المناظرات لصالح
ترامب .
و الجدير ذكره هنا انه منذ المناظرات الأولى للانتخابات الأولية أغسطس 2015 بلغ عدد التغريدات التي لها علاقة بالانتخابات الأمريكية. مليار تغريدة .
وما يدلل أيضا على أهمية شبكات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأمريكية تخصيص صفحة على موسوعة
ويكيبيديا لرصد استخدامات الإعلام الاجتماعي في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية.
إنها الحملة الانتخابية الرئاسية التي لا مثيل لها بعنفها وخروجها عن التقليد السياسي للمناظرات و الخطاب السياسي الديمقراطي .
و بعد ان كانت الكلمة الفصل في الانتخابات الأمريكية التي هي انتخابات غير مباشرة؛ لمندوبي
الكلية الانتخابية Electoral College، وعددهم 538 مندوبا، الذين أختاروا
دونالد ترامب رئيسا و
مايك بنس نائبا له،
أعود لأطرح أسئلة طرحتها عام 2008 عندما استخدم
باراك أوباما وفريق حملته الانتخابية ولأول مرة شبكات التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية للتحفيز على المشاركة في العملية الانتخابية.
كيف اجتاحت الحملة الانتخابية الشبكة وكيف الشبكة وتقنية المعلومات اقتحمت بدورها الحملة الانتخابية؟
يمكن أن نعتبر أن ما ابتكر من استراتيجيات إعلامية انتخابية يصور لنا ما يمكن أن تؤول إليه العملية الانتخابية في المستقبل، و أسئلة تطرح حول مفهوم الديمقراطية في مرآة الإعلام الإجتماعي والتأثير الانتخابي في عالم الخوارزميات والبرمجيات الذكية.