نعرف اليوم مدى أهمية ما بات يُسمّى بصناعة الإنترنت في اقتصاد الدول،وأهمية الاستثمار في القطاع الرقمي، لما يؤمّنه هذاالقطاع من فرص عمل واستثمارات مثمرة. وأيضا كمحرّك للتنمية الاقتصادية في العالم العربي. وهو من أبرز محاور مؤتمر”عرب نت” الذي أنطلق في بيروت عام 2010 لمواكبة تطوّر القطاع الرقمي في العالم العربي والذي انعقد بين 20 و22 من فبراير/شباط 2017.
حمل مؤتمر “عرب نت” بيروت عام 2017 أفكارا جديدة في التفاعل بين المشاركين وفعاليات المؤتمر، أولى هذه التغيرات هو تحوّل اليوم الأول الذي كان يُعرف باسم “التصميم والبرمجة”، ليصبح “يوم النموذج الأولي“prototype day ، حيث تضمّن ورش عمل لتطوير المنتجات الإلكترونية وجمع بين خبرات البرمجة المعلوماتية خاصة والتصميم وكيفية تصميم النموذج الأول، بالإضافة إلى ورش عمل عن الآلات الالكترونية وكيفية اختراعها وتقنيات تطويرها وبرمجتها..
كما كان هنالك ورش عمل في كيفية برمجة الأجهزة ضمن ما يعرف بإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية. كما اقترح المؤتمر هذا العام، ضمن إطار “النموذج الأولي”، مجموعة ورش عمل لريادة الأعمال وتضمّن الموضوعات القانونية، كيفية التمويل، تأسيس فريق العمل وتنميته وإدارته وتأسيس الشركة.
بالإضافة إلى كيفية استخدام الذكاء الصنعي “البوت” من “فيسبوك” لتطوير التواصل مع المتعاملين، وأيضا كيفية الاستثمار الأمثل للمنصات الاجتماعية لجذب المتعاملين.
انطلقت فعاليات اليوم الثاني بالافتتاح الرسمي وبحضور كبير للمسؤولين اللبنانيين، وزيريْ الاقتصاد والاتصالات ونائب حاكم مصرف لبنان، حيث ركّز المؤتمر على الدّور المتزايد للمصارف في بيئة ريادة الأعمال والاستثمار في صناعة الإنترنت، الاقتصاد الرقمي، خاصة إثر التعميم 331 الذي أصدره مصرف لبنان لدعم الشركات التكنولوجية الناشئة. الذي أدّى إلى تخصيص 300 مليون دولار للاستثمار في الشركات الناشئة. ما جعل لبنان يحتلّ المرتبة الثانية بعدد الاستثمارات إقليميا، حسب دراسة أجرتها مؤسسة “عرب نت “.
هو تحوّل كبير في بيئة الاستثمار الرقمي إذ أنّ لبنان “قفز من المرتبة الخامسة إلى الثانية عربيا، بين عامي 2013-2014 لجهة عدد الاستثمارات في الشركات الرقمية الناشئة. أما قيمة هذه الاستثمارات، فقفز من المرتبة الرّابعة إلى الثانية ليبلغ العدد 34 استثماراً في العام 2014، كما ارتفعت القيمة من 6 مليون دولار في 2013 إلى 31 مليون دولار في 2015. كما يشهد الاقتصاد الرقمي في لبنان نموّا سنويا يتراوح بين 7و9 بالمئة حيث يحتلّ لبنان المرتبة الثالثة عام 2015-2016 في المنطقة من حيث النمو”.
هذا و يُعدّ لبنان أحد أهم الأسواق في مجال الابتكار الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسب احصاءات “عرب نت”، حيث يتوفر في لبنان 250 مليون دولار من رأس المال التأسيسي وعُقد أكثر من 65 صفقة استثماريّة بين وعامي 2013 و2015.
و في هذا الإطار، ألقى مؤتمر “عرب نت” بيروت، الضوء على واقع الأسواق في قطاع الابتكار الرقمي في لبنان ومصر والأردن وفلسطين وسوريا والعراق، و جمع في رحابه مواهب من الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
بدأت حلقات النقاش اليوم الثاني مع أبرز التوجهات التقنية لعام 2017 ، التي تركّزت بشكل أساسي حول الواقع الافتراضي والذكاء الصنعي و تطرّق المتحدّثون إلى أهمية أخلاقية استخدامات الذكاء الصنعي في الابتكار التقني وتأثير التكنولوجيا على المهن البشرية والاستثمار في التقنيات الرقمية الجديدة، التي أصبحت اليوم جزءا من الخدمات المختلفة من التجارة الإلكترونية إلى الألعاب الإلكترونية .
كما خصّص المؤتمر يوما كاملا للابتكار المصرفي حيث ناقش أكثر من 150 مصرفيّا وعاملا في القطاع المصرفي والشركات المزوّدة للتكنولوجيا المصرفية أحدث الابتكارات التي دخلت على الخدمات المصرفية مثل الفروع الذكية والعمليات المصرفية عبر الموبايل. كذلك تطرّقت جلسات المؤتمر للتسويق الرقمي للمصارف، والآخر للمنتجات والقنوات الرقميّة، من إيجاد المورّدين ومزوّدي الخدمات و تطرق أيضا إلى عملة “البيتكوين” و الـ وانماجها في بيئة إنترنت الأشياء .Blockchain.
كان للخدمات الصحية حيّزا للنقاش حول الشركات الناشئة والاستثمار في المجال الصحّي الرقمي حيث نوقش نموذج مسرّعات الأعمال الناجح في دبي مع دعم السلطات الصحّية في حكومة دبي، وناقش المتحدّثون الابتكارات التقنية والرقمية وفرص الاستثمار في سوق الخدمات الصحية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
برزت هذا العام في مؤتمر “عرب نت” فعالية “ماتش آب” والتي تقترح لقاء بين مُدراء منفّذين لشركات كبرى وشركات ناشئة ورياديي أعمال شباب في عالم القطاع الرقمي، اللذين كسروا نموذج الأعمال التقليدي، و يقترحون آخر الابتكارات التقنية لتحسين خدمة العملاء. “ماتش اب” أتاحت الفرصة للمبتكرين والرياديين الشباب في القطاع التقني من التواصل مع شركاء عمل محتملين ومستثمرين محليين وإقليمين.
قدمت فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر “عرب نت” بيروت مواضيع متنوعة، بدأت بدور الجامعات والمؤسسات التعليمية في التحفيز على ريادة الأعمال، وتوجيه الطلاّب والمتخرّجين الجدد نحو سوق عمل تتوفّر فيه فرص عمل يكون لهم فيه دورا لخلق شركات ناشئة، وبالتالي توفير فرص عمل في اقتصاد المعرفة، ودور الجامعات والمؤسسات التربوية في توجيه الطلاّب اللذين يملكون القدرات والمواهب لمساعدتهم للانطلاق بمشاريع ريادية واعدة.
مع تطوّر القنوات الرقمية بين المستهلك والعلامات التجارية من خلال المنصات الاجتماعية والمنصّات المتّصلة ومواقع الإنترنت كيف يمكن استخدام أدوات القياس والتحليل للمساعدة على نمو الشركات وتحسين المحتوى؟ كان هذا موضوع نقاش شدّد فيه المتحدّثون عن أهمية هذه الأدوات لمعرفة ما يبحث عنه المستخدم/المستهلك، وأيضا كيف يمكن لتحليل البيانات من قبل المواقع الإخبارية الإلكترونية للتعرّف على احتياجات واهتمامات القارئ المستهلك وأيضا لتحقيق التزام المستخدم/المستهلك بالمحتوى أو المنتج أو الخدمة المقترحة.
من المواضيع التي تطرّق لها مؤتمر “عرب نت” بيروت المصاعب التي تعاني منها الصحافة التقليدية اليوم في عصر التحول الرقمي والإنترنت، واقترح عدة نقاشات حول الاستراتيجيات المثلى لتسييل المحتوى وتوزيعه على المنصات الرقمية المختلفة وخلق محتوى خاص لكلّ منصة، أو محتوى خاص لمنصات متعددة، لجذب القارئ وجعله ملتزما بالمحتوى المقترح. وأيضا كيفية اختيار الإعلانات المناسبة لضمان الديمومة المالية للمؤسّسة الإعلامية وضرورة تطوير المحتوى الرقمي العربي.
كان هنالك أيضا مداخلات عدة حول كيفية خلق وإدارة المحتوى على المنصات الاجتماعية وكيفية جعل هذا المحتوى أكثر انسانية لتحقيق التزام أكبر من قبل المستخدم بالإضافة إلى مداخلة حول خدمات تويتر في الشرق الأوسط.
كل هذه المواضيع تدخل ضمن التحوّلات الرقمية التي يواكبها مؤتمر “عرب نت”، الذي على مدى السنوات ومن خلال المسابقات التقليدية كمسابقة “ماراثون الأفكار”، “تحدي الشركات الناشئة”، “مسار الابتكار”، “صراع المسوّقين” الذي يختتم فيه المؤتمر هذا العام، شجّع وأطلق عددا كبيرا منال أفكار الريادية التي تحوّلت إلى شركات قابلة للحياة وساعد شركات ناشئة تحوّلت لشركات ناجحة عالمية.
نايلة الصليبي