اعلن مارك زوكربيرغ، مؤسس “فيسبوك” عن سعيه لتطبيق تحديثات كبيرة على خوارزميات المنصة تركز على إظهار “التفاعلات الاجتماعية ذات المغزى” بدلاً من “المحتوى غير ذي صلة بالمستخدم” على شريط أخبار المستخدمين. أثار هذا الاعلان بلبلة كبيرة وذعرا لدى المؤسسات الإعلامية وشركات التسويق. فما هي فعلا تداعيات هذا التغيير؟
أثار اعلان مارك زوكيربرغ بتغيير خوارزميات منصة “فيسبوك” بلبلة كبيرة وذعرا لدى المؤسسات الإعلامية وشركات التسويق.
خيار مؤسس “فيسبوك” بالعودة إلى المبدأ الأساسي لنشأة المنصة، إي التشبيك، هو حسب قوله نتيجة تعليقات المستخدمين من أن منشورات صفحات الشركات و العلامات التجارية كذلك وسائل الإعلام، تزاحم المنشورات التي تؤدي إلى التواصل والتشبيك بين المستخدمين والذي هو حسب زوكيربرغ من أهم أهداف “فيسبوك”.
أسواق المال لم تفهم هذا القرار خاصة بعد هلع المؤسسات الإعلامية مما أدى إلى هبوط أسعار أسهم شركة “فيسبوك” في بورصة نيويورك.
عمليا سيؤثر تغيير خوارزميات “فيسبوك” على المقالات الإخبارية بعدم ابرازها بالمراتب الأولى في شريط أخبار المستخدمين اللذين سيشاهدون بشكل أفضل مشاركات وتفضيلات أصدقاءهم وأقاربهم.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يقوم بها زوكيربرغ بتغيير كيفية عمل خوارزمياته الغامضة، ولا يتيح للمستخدم أن يقوم بنفسه بوضع المرشحات التي يرغب هو بها، وليس ما تعتبر خوارزميات زوكيربرغ انها المناسبة له.
في البداية نقل “فيسبوك” جمهور المستخدمين من نموذج استهلاك الأخبار والمعلومات إلى نموذج تشاركي عند اعتماد ميزة الـ Instant Article التي غيرت بشكل جذري طريقة تدفق المعلومات، ودفعت الصحافيين والمؤسسات الإعلامية إلى تغيير نماذج محتوياتهم وجعلها تتناسق مع خوارزميات “فيسبوك” واعتماد Instant Article بالرهان أيضا على الفيديو أو بث مباشر على “فيسبوك” لاستقطاب القراء والنقرات. وفي النهاية يتخلى “فيسبوك” عنInstant Article وعن هذا النموذج في وصول المستخدمين للمعلومات.
بطبيعة الحال نحن لا نعرف اليوم مدى التأثير الفعلي لهذه التغيرات على مداخيل المؤسسات الإعلامية وعلى انتشارها خاصة على استمرارية تلك التي قامت فقط على نموذج نشر “فيسبوك”.
فأرقام الإحصاءات بعد الانتخابات الأمريكية وغيرها في دول عدة بينّت ان مستخدمي الإنترنت يحصلون على المعلومات بشكل أساسي من خلال “فيسبوك“.فما الذي سيفعلونه؟ هل سيغيرون عاداتهم؟ هل سيتوجهون لمنصات أخرى كـ تويتر مثلا؟ او العودة لاستهلاك الأخبار بطريقة تقليدية من خلال المواقع الإخبارية.
هنا يطرح السؤال التالي: هل قرار مارك زوكيربرغ بتغيير خوارزميات “فيسبوك“، لتفضيل التواصل والتفاعل مع الأقارب والأصدقاء، والتي حسب زوكيربرغ “تزيد الشعور بالرخاء والسعادة لدى المستخدم بدرجة أكبر من متابعة مقالات وصفحات إخبارية”. هل هو أيضا للحد من انتشار الأخبار الزائفة؟
نعرف جميعا كيف كان عامي 2016 و2017 أعوام صعبة للمنصات الاجتماعية وبالتحديد منصة “فيسبوك” والاتهامات لها بالمساهمة بنشر الأخبار الكاذبة. وكيف كانت تلك المنصات أدوات تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية من خلال شراء الإعلانات الانتخابية ومساحات لنشر اخبار كاذبة على المنصات الاجتماعية المختلفة. ووجدت شركة “فيسبوك” نفسها أمام الكونغرس الأمريكي للتحقيق في التدخل الروسي في العملية الانتخابية الأمريكية.
كما اتّهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وسائل اعلام روسية بنشر الأخبار الكاذبة التي تداولتها المنصات الاجتماعية خلال حملةالانتخابات الرئاسية الفرنسية.
برأي الشخصي ان هذا التغيير لن يحد من انتشار الأخبار الكاذبة، فغالبا ما كانت مشاركة الصور المضللة والمقالات الكاذبة من قبل صفحات المستخدمين وليست صفحات المؤسسات الإعلامية.
فالمستخدم سيشاهد المقالات المضللة والفيديوهات المفبركة وسيشاركها الأهل والأصدقاء. وهي محتويات تولد التزاما كبيرا وتحصد عددا كبيرا من المشاركة والتفضيلات. أي ان خوارزميات “فيسبوك” الجديدة ستساهم في نشرها.
غير ان الوجه الإيجابي الوحيد لهذه التغيرات في خوارزمية “فيسبوك” ربما ستكون الضربة القاضية للصفحات الخادعة لنشر الأخبار الكاذبة الملفقة التي أنشئت فقط من أجل رفع عدد المشتركين وتوليد ردود الفعل، لجذب النقرات وكسب المال ما يعرف بصفحات click baits
تبقى المشكلة، نموذج توزيع الأخبار التي سيفرضها “فيسبوك“، وهي أن الأصدقاء والأسرة ستحل بطريقة أو بأخرى محل المؤسسات الإعلامية والصحافيين، لتقرير ما هو مهم من معلومات لخلق الالتزام. كما أنها ستملي على المؤسسات الإعلامية المواضيع التي ستنشرها و التأثير على اختيار ما تنشره وسائل الإعلام على المنصة لجذب عدد كبير من النقرات والالتزام. وهو ليس بالأمر الجديد كمّ مرة سمعنا في غرف الأخبار: “لا تنشر هذا الموضوع أو هذا العنوان فهو لا يجلب النقرات “…
بطبيعة الحال مقالات وسائل الاعلام الإخبارية لن تختفي من شريط أخبار المستخدم، بل سيشاهدها المستخدم بنسبة أكبر من خلال ما تم مشاركته من قبل الأصدقاء وبنسبة أقل من التي اختارها الصحفيون لأهميتها التحريرية.
كشف هذا القرار عن حقيقة مخيفة، وهي انه أخيرا، اصبح واضحا للجميع الاحتكار الكامل الذي تتمتع به منصة “فيسبوك” في انتشار المعلومات على الإنترنت. رجل واحد ومؤسسة واحدة يمكنهم تغيير حياتنا الرقمية راسا على عقب من خلال قرارات سخيفة.
أصبحنا نعي وبشكل واضح كيف أن خوارزميات غامضة تتحكم بها مؤسسة واحدة ، تقرر هي ما علينا نحن مشاهدته أم لا، وتتحكم في كيفية وصولنا للمعلومات. شركة واحدة هي خدمة من خدمات الإنترنت تبتلع الإنترنت، ومارك زوكيربرغ ديكتاتور في جمهورية “فيسبوك“.
أتمنى ان يجبر هذا القرار وسائل الإعلام على مراجعة علاقتها غير المتوازنة والقاتلة مع “فيسبوك“. والعمل بشكل جدي على مواقعها بتصميم واجهة استخدام سهلة ومتفاعلة مع قرائها و إثراء محتوياتها، للخروج من مستنقع “فيسبوك” و من الإرتهان لخوارزمياته. او التفكير بإنشاء منصة تشبيك تعاونية مفتوحة المصدر بمقومات ونموذج اقتصادي مستقل قابل للحياة والاستمرار. و بالتالي تشجيع المستخدمين على التوجه لمواقع وسائل الإعلام لتحصيل المعلومات والاطلاع على الأخبار من المصادر الموثوقة و المعروفة.
كثيرون يعتبرون ان هذا التحديث له دوافع تجارية فـمارك زوكيربرغ يدرك جيدا ان جيل المراهقين، وهو الجيل الذي يولد التفاعل والالتزام والنقرات بشكل كبير، أي الذي يولد المال على منصته، قد بدأ هذا الجيل الهجرة من منصته، فكان عليه الابتكار لاستعادتهم ، وذلك بالعودة إلى ما كانت عليه بدايات المنصة أي التشبيك و التفاعل بين الأصدقاء.لكن بعد ان أحكم قبضته على المؤسسات الإعلامية والعلامات التجارية، سيجبرها على دفع رسوم مالية إضافية لترويج ونشر منشوراتهم على شريط أخبار المستخدمين.
أخيرا اذكركم بتصريحات ممولين ومطورين سابقين في شركة “فيسبوك”، “الذين خرجوا عن صمتهم، حول تأثير “فيسبوك” على “البشري المتصل” وكيف خوارزميات هذه الشبكة تدفع الى الإدمان و عملها كمخدر الدوبامين .عبروا عن ندمهم كونهم ساهموا في خلق “فرانكنشتاين” ، لا يدركون “ماذا يفعل بعقول أطفالنا” وبحياتنا.