لم تحدّ جائحة كورونا المستجد من الابتكارات التكنولوجية عام 2020، إذ سخّرت معظم الدول الصناعية كل إمكاناتها التقنية لمواجهة هذه الجائحة، التي سرّعت وبشكل غير مسبوق، التحول الرقمي في الشركات والمؤسسات وأيضاً المؤسسات الحكومية، من خلال نشر تقنيات العمل عن بعد وتسيير أعمال المواطنين من خلال الحكومة الذكية.
الذكاء الاصطناعي، لقاح الحمض النووي الريبي، البروتينات ثلاثية الأبعاد ومسبار عربي إلى المريخ… لم تمنع جائحة كورونا المستجد المنافسة في حقول مختلفة، رغم ان معظم الباحثين في العالم عملوا دون هوادة مستخدمين ال#تكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات لإيجاد الحلول والنجاح في الوصول إلى لقاح لمواجهة فيروس كورونا المستجد.

الذكاء الاصطناعي يحلّ لغزاً عمره 50 عاماً
كان لتقنيات الذكاء الاصطناعي دور مهم في مواجهة جائحة كورونا المستجد وأيضاً في ابتكارات مهمة، ففي نهاية شهر تشرين الثاني يبدو أن فريق مختبر الذكاء الاصطناعي DeepMind التابع لشركة غوغل ومقره في لندن، نجح إلى حد بعيد، بحل لُغزٍ واجهه علماء الأحياء لأكثر من خمسين عاماً وهي “مشكلة طيّ البروتين “protein folding problem. البروتينات هي جزيئات بيولوجية تتكون من سلسلة من الأحماض الأمينية وهي من بين المواد الأساسية للخلايا الحية، كما هو الحال في أغشية الخلايا. كما أنها تشكل غالبية الإنزيمات التي تسمح للتفاعلات الكيميائية بتوفير وظائف حيوية. استيعاب الطعام، تصور الضوء، والدفاع ضد الميكروبات… يتم إنجاز كل هذا بفضل البروتينات.
يعرف البشر العديد من تسلسل الأحماض الأمينية وذلك بفضل تطوير الهندسة الوراثية. لكن هنالك العديد من الأنواع المختلفة من البروتينات، نحو 200 مليون من أنواع البروتين المعروفة في العالم، ويمكن العثور عليها في جميع الكائنات الحية. المشكلة الكبيرة في البروتينات أنه من الصعب للغاية تحديد هياكلها الثلاثية الأبعاد. حتى الآن، كانت الطريقة الرئيسية للحصول على نموذج عالي الوضوح لبنية البروتين هي التصوير البلوري بالأشعة السينية، وهي طريقة يمكن أن تستغرق ما يصل إلى عام لبروتين واحد. تمكّن برنامَج الذكاء الاصطناعي AlphaFold من DeepMind التنبؤ بالعديد من أشكال البروتين وتحديد شكل البروتينات، أي تحديد هياكلها الثلاثية الأبعاد. قد تساعد النمذجة التي يسمح بها AlphaFold ، على تخفيض النمذجة من عام إلى أيام، وأيضا بتفسير أفضل للاختلالات الناجمة عن طفرة الحمض النووي ، والتي تولد بروتينات غير طبيعية في العديد من الأمراض الوراثية. بذلك يفتح هذا الإنجاز أفاقاً جديدة لتكنولوجيا الطب والذكاء الاصطناعي.
لقاح فيروس كورونا المستجد من خلال الحمض النووي الريبي
يعتبر اللقاح الذي طورته شركة فايزر الأميركية، بالتعاون مع شركة بيونتيك الألمانية إنجازاً مذهلاً في مجال البحوث الطبية. من بين 237 مشروعاً للقاح قيد التنفيذ حالياً، كانت هذه المبادرة الأولى في 9 تشرين الثاني 2020، تلتها شركة مودرنا الأميركية.تمكنت شركة بيونتيك من التوصل إلى اللقاح من خلال طريقة علمية تدعى mRNA.أو “مرسال الحمض النووي الريبي” messenger RNA.
عادة، تقوم اللقاحات التقليدية بالحصول على المعلومات الوراثية من الفيروس، وتزرعها في الخلايا. إلا أن طريقة الحمض النووي الريبي الذي يعتمد عليه اللقاح الذي توصلت إليه شركة بيونتيك لا تتطلب سوى الشفرة الوراثية للفيروس.
يستخدم اللقاح هذه التقنية الجديدة التي تحتوي كل حقنة منه على جسيمات نانوية دهنية – تحيط بشريط من مادة وراثية الرنا المرسال. تحمل المادة الوراثية مخططًا للبروتين الشائك المميز الذي يربط سطح فيروس كورونا المستجد. بعد حقنها في ذراع الشخص، تنقل الكبسولة الدهنية حمولتها إلى خلايا الجسم، ويوجه الحمض النووي الريبي الرسول تلك الخلايا لبناء بروتين سبايك، وهو ما يعلِّم الجهاز المناعي بشكل فعال كيفية التعرف إلى فيروس كورونا ومنع حدوث المرض.
مضاد حيوي فعال ضد الجراثيم الخارقة المقاوِمة لجميع الأدوية
أعلن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في شباط 2020، أنه اكتشف، بمساعدة تقنيات الذكاء الاصطناعي، مضاداً حيوياً فعالاً ضد الجراثيم الخارقة المقاومة لجميع الأدوية. من خلال استكشاف المكتبات الافتراضية الضخمة مع الملايين من الأبحاث الطبية، عثرت خوارزميات الذكاء الاصطناعي على تركيبة فعالة، واستكشفت أيضًا آليات مختلفة عن تلك المستخدمة من قبل المضادات الحيوية الحالية، مما يقلل من خطر تكيف البكتيريا.
التفوق الكمّومي للصين
تميزت الصين تقنياً عام 2020 بإعلانها تحقيق “التفوق الكمّومي أو quantum supremacyوالحوسبة الكمومية أو quantum computing حيث تمكن جهاز الكمبيوتر الكمّي النموذجي الصيني من تحقيق عملية حوسبة بحوالى ثلاث دقائق، والتي يتطلب حلها من قِبل أسرع كمبيوتر تقليدي في العالم أكثر من 600 مليون سنة. أي إن الكمبيوتر الكمّي النموذجي الصيني أسرع بنحو 100 تريليون مرة من أجهزة الكمبيوتر العملاقة اليوم. هذا يعني تقدم الصين على غوغل التي كانت قد أعلنت عن تفوقها عام 2019 وبأنها طورت جهاز كمبيوتر كمّومي يمكنه إجراء عملية حسابية في 200 ثانية التي كان من شأنها أن تستغرق نحو 10000 عام في أجهزة الكمبيوتر العملاقة Supercompuetr التقليدية لتصل إلى التفوق الكمّي. يزعم الباحثون الصينيون أن نموذجهم الأولي الجديد قادر على معالجة 10 مليارات أضعاف نموذج غوغل الأولي.
الصين في طليعة المنافسة في الفضاء وعلى الأرض
عادت الصين للاستكشاف الفضائي. أرسلت بنجاح وكالة الفضاء الوطنية المسبار الصيني “شانغي 5” لجمع عينات من صخور من القمر من السطح ومن عمق مترين من الطبقات السفلى للقمر وحملها إلى الأرض. تعتبر المهمة الأولى من نوعها منذ 40 عاماً. وذلك بعد نجاح الصين في وقت سابق بإطلاق مركبة فضاء غير مأهولة، ما يشكل نجاحاً تكنولوجياً من شأنه السماح لبكين الشروع ببناء محطة فضائية على أن تنجز في العام 2022. ما يضع الصين من بين القوى الفضائية الكبرى، وهي تتقدم بفارق كبير على الهند وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة، من خلال إعادة العينات القمرية المأخوذة من سطح القمر والمرتقبة في أواسط كانون الأول2020.
شمس اصطناعية صينية
من الابتكارات الصينية المدهشة في نهاية عام 2020 كانت بلا شك تطوير الصين “شمساً اصطناعية”. حيث نجحت الصين في تنشيط مفاعل اندماج نووي للمرة الأولى. يستخدم الجهاز المتطور مجالاً مغناطيسياً قوياً قادراً على توليد بلازما بحرارة تتجاوز 150 مليون درجة مئوية؛ أي نحو 10 مرات أكثر حرارة من نواة الشمس. هذا الإنجاز التكنولوجي من المفترض أن يمهد الطريق للطاقة النظيفة، على غرار الشمس الحقيقية.
تحمل الشمس الاصطناعية اسم tokamak HL-2M، بنتها المؤسسة النووية الوطنية الصينية والمعهد الجنوبي الغربي للفيزياء.
عودة الولايات المتحدة إلى الفضاء بفضل إلون ماسك
من الأحداث التي دمغت العام 2020 وتعتبر تاريخية، في 30 مايو 2020 نجاح أول رحلة مأهولة نحو محطة الفضاء الدولية (ISS)، ما يفتح عصراً جديداً للرحلات الفضائية مع عودة الولايات المتحدة ومن خلال شركة إلون ماسك الخاصة “SpaceX» وكبسولة Crew Dragon لأرسال رواد الفضاء للمحطة الدولية بدل اللجوء لخدمات وكالة الفضاء الاتحادية الروسية.إطلاق الإمارات العربية المتحدة “مسبار الأمل” للمريخ
في العالم العربي كانت هنالك إنجازات تقنية عدة أبرزها إطلاق الامارات العربية المتحدة في 19 تموز “مسبار الأمل”، أول مهمة فضائية عربية لاستكشاف المريخ.
هذه بعض من الأحداث والابتكارات في عالم التكنولوجيا، التي برأيي سيكون لها وقع في العام المقبل؛ وأيضاً للتذكير بالثورة التقنية التي تُحدِث تغيرات عميقة وبانتظام في حياة البشري المتصل.
نايلة الصليبي