ماذا لو كانت المنصات الاجتماعية موجودة يوم 11 من سبتمبر 2001؟

منذ سنوات كتبت في الذكرى الخامسة عشرة للهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 مقالا، عن فرضية أهمية وجود المنصات الاجتماعية في ذلك الحين. واعدت نشره مرارا.

 تطرقت فيه لتصوري في ذلك الوقت {للأرشيف الثمين الذي كانت ستحتفظ به تلك المنصات للبشرية.تخيلت التفاعل والمشاعر عند القراءة على منصتي “تويتر” و“فيس بوك” وغيرها من المنصات الاجتماعية، الأحداث والوقائع لحظة بلحظة، أخر تحديثات وأخر صورة على إنستغرام، وكيف كان من الممكن أن يشاهد العالم أجمع البث المباشر وأفلام الفيديو مصورة بالهاتف الذكي من داخل المباني المحترقة عبر “تويتر”، “فيسبوك لايف”، “يوتيوب” ،واليوم “تيك توك “و”تويتش” وغيرها.

 كنت أظن أن العالم سيعرف ماذا كان يفكر هؤلاء الذين لقوا حتفهم يوم الحادي عشر من سبتمبر، لربما فهم العالم لماذا قرر بعضهم القفز من نوافذ البرجين المشتعلين قبل الانهيار.

 لو كانت المنصات الاجتماعية موجودة في تلك الحِقْبَة، ربما كنا اكتشفنا واقع ما حدث من الداخل مهما كان الحدث مروعا ومؤلما، لكّنا عرفنا أدق التفاصيل، وكان لدى الصحافيين والمؤرخين كمًّا هائلا من البيانات والمعلومات للفحص والتمحيص، لجمع نثرات من لحظات تاريخية غيرت مجرى الأحداث ودمغت ذاكرة العالم.

 وربما لكانت ساعدت المنصات الاجتماعية من خلال نقل المعلومات بشكل آني للإسراع في إجراءات السلامة والإسعاف وتفادي عدد القتلى الهائل.

ربما كان لها أيضا الدور الاجتماعي بالمشاركة الجماعية بالمصاب وعدم الشعور بالوحدة أمام المصيبة. وربما أيضا هؤلاء اللذين لقوا حتفهم يوم الحادي عشر من سبتمبر عام الفين وواحد هم الذين كتبوا حكاية مصرعهم المروعة وتركوها بأنفسهم للتاريخ.}

كتبت ما كتبت وكان لدي الأمل الكبير والثقة حينها بمستقبل شبكة الإنترنت وخدماتها التي ستفتح معبرا للمعرفة والتواصل وحرية التعبير للبشري المتصل.

كم كنت ساذجة!

 لقد شهدت ولادة الويب وتخيلت الإمكانات غير المحدودة التي يتيحها. علما أن في تلك الفترة كانت تنتشر عبر غرف الدردشة أو الـ Forums وأيضا عبر البريد الإلكتروني الإشاعات المختلفة ونظريات المؤامرة على أنواعها وغيرها من المعلومات المضللة والمعلومات المغلوطة. لكنها بقيت في إطار محدود لان المنصات الاجتماعية لم تكن موجودة بعد.

اليوم أسخر بما كتبته لما آلت إليه خدمات الويب والمنصات الاجتماعية.

لا أجرؤ على تخيل المجازر والمصائب التي كانت ستؤدي إليها منشورات المنصات الاجتماعية لو كانت موجودة يوم الحادي عشر من سبتمبر عام الفين وواحد مع الانتشار المفزع للمعلومات المغلوطة والمضللة، المنشورات العنصرية وخطابات الكراهيَة ضد العرب والمسلمين أو من لديهم ملامح شرق أوسطية.

 هل من الممكن أن نتخيل كمّ و عدد منشورات التحريض والدعوات للقتل والاعتداء على المواطنين الآمنين الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما حصل، فقط لأنهم عرب أو مسلمين أو يحملون ملامح شرق أوسطية. هل تتخيلون عدد الاعتداءات المماثلة لتلك التي وقعت في نيوزيلندا في مدينة كرايستشيرش!

 لا يمكن اليوم أن أكتب ما كتبت منذ عقد. ما اعتقدت أنه أداة خيّرة للتعبير الحر وأداة للشفافية هي اليوم الوحش المفترس، المسخ الذي تفلت من أيدي من صنعوه وأصبح وسيلة لتهديد الديمقراطيات والحريات. بسبب نموذج اقتصادي لجني الأرباح من بيانات المستخدمين والمعلنين. منصات تتفاوت فيها حدود حرية التعبير حسب الموقع الجغرافي وتفلت على جدرانها والتايملاين فيها أحقاد البشر وأسوء ما يمكن أن يخرج من بني آدميين تخلوا عن إنسانيتهم وعن المنطق الإنساني.

هذه الأدوات التي كنت أظنها ستكسر طوق الديكتاتوريات وتفتح أبواب الزنزانات والسجون المظلمة؛ أصبحت هي السجان الذي يسجن المستخدم في قوقعة الخوارزميات التي أطبقت أفق الانفتاح والتعددية من أجل “حفنة من الدولارات”، هذه الخوارزميات الغامضة في علبة سوداء تتحكم بحرية التعبير مع “الغباء” الاصطناعي ،لنرقص فرحين على جثتنا ونغمض أعيننا لكي لا نرى بشاعة وجهنا المنعكس على مرآة منصاتنا  “اللا” اجتماعية.

نايلة الصليبي